أطلقت دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، حملة توعوية بعنوان "استمع أولاً"، والتي تهدف إلى زيادة وعي أفراد المجتمع بشكل عام والأسر بشكل خاص بضرورة الاستماع للأبناء بدءًا من مراحل الطفولة المبكرة إلى عمر الثامنة عشر، أي ما بعد مرحلة المراهقة.
وأوضحت سعادة الدكتورة ليلى الهياس، المدير التنفيذي لقطاع الرصد والابتكار في دائرة تنمية المجتمع، أن التعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أثمر بإطلاق حملة "استمع أولاً" والتي تعتبر الأولى من نوعها على مستوى الوطن العربي، لاسيما أن الحملة أطلقتها الأمم المتحدة سابقاً في مختلف أنحاء العالم وبلغات متنوعة، لذا فان هذا التعاون يؤكد مدى إدراك الدائرة للقيمة التربوية المهمة التي تتضمنها هذه الحملة للأسرة، حيث أن الفرد يتعلم فن الاستماع والإصغاء بالدرجة الأولى من خلال التفاعلات التي تدور بين أفراد الأسرة باعتبارها الوسط الاجتماعي، أو إن صح القول "المدرسة الحياتية الأولى"، التي تعلم أفرادها أسس الحياة، بالإضافة إلى مهارات التواصل الفعال، ولعل منهج والدنا المغفور له مؤسس دولة الإمارات، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- في التربية عن طريق الاستماع وإشراك الأبناء في الحوار يعد من أكثر الأمثلة تميزاً في المجتمع الإماراتي لنقل المهارات وإكساب الأبناء الخبرات.
وفي هذا الصدد أثبتت العديد من الدراسات أن الاستماع الفعّال للأبناء يعتبر من أكثر العوامل حماية لهم من السلوكيات الخطرة، والتي من أبرزها التنمر وتعاطي المواد المخدرة والعنف، مشيرة إلى أن هذه الدراسات أكدت على أهمية الاستماع من قبل الأبوين في تعزيز النمو السليم للأبناء وصقل شخصياتهم وتعزيز ثقتهم بذاتهم، ودورهم المهم في حث أبنائهم على تجنب السلوكيات المحفوفة بالمخاطر.
وأوضحت الهياس، أن المرحلة الأولى من الحملة تتضمن توزيع مجموعة من المنشورات التثقيفية و عرض مقاطع فيديو تعليمية بشخصيات كرتونية تُصور الأطفال وذويهم بطريقة واقعية، والتي سيتم بثها عبر قنوات التواصل الاجتماعي ومنصة اليوتيوب للوصول إلى أكبر عدد من المشاهدات، موضحةً أنه تم العمل عليها استنادًا على أحدث الدراسات والأسس العلمية من قبل فريق من المتخصصين للخروج بخطوات علمية تمكن الآباء من خلق علاقة صحية وإيجابية مع أبنائهم، ومن أبرز المواضيع التي تم تسليط الضوء عليها من خلال المحتوى التثقيفي: أهمية الصبر في التعامل مع الأبناء، واتباع روتين يومي مع الأبناء، واستخدام أسلوب المدح والثناء للسلوكيات الإيجابية، وإظهار العاطفة والود لهم، فضلاً عن أن المنشورات تطرقت إلى دور الآباء المهم في تثقيف أبنائهم حول العالم الرقمي والاستماع لآرائهم والمخاوف والتحديات التي يواجها الأبناء من أجل حمايتهم من الإساءة والتنمر الإلكتروني.
وأكدت الهياس أن دائرة تنمية المجتمع تسعى بشكل مستمر إلى تنفيذ مبادرات وحملات بالتعاون مع الجهات المعنية في القطاع الاجتماعي، للمساهمة بشكل رئيسي في خدمة المجتمع وأفراده، وبهدف تحقيق الرفاه الاجتماعي في إمارة أبوظبي، والوصول إلى أعلى مؤشرات جودة الحياة لمختلف الشرائح المجتمعية، لافتةً إلى مدى الاهتمام الذي توليه دولتنا بالأسرة بشكل عام وبالطفل بشكل خاص، من خلال توفير استراتيجيات وبنى تحتية وبرامج تعزز من تلاحمهم الأسري وجودة حياتهم.
وأثنى القاضي حاتم علي، ممثل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي، على دائرة تنمية المجتمع لإطلاقها حملة "استمع أولاً"، وتؤكد الحملة على التزام الجهات المختلفة في الدولة واستمراريتها بالاستثمار في الشباب والمجتمعات بشكل عام لتعزيز مجتمعات آمنة ومستدامة وقادرة على التكيف.
كما أضاف ممثل مكتب الأمم المتحدة، يُعد تمكين الأطفال والشباب جزءًا أساسيًا من عمل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة من أجل منع تعاطي المخدرات والجريمة، وبفضل التعاون مع دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، نأمل في انتشار هذه الحملة لتشمل بلدانًا أخرى في المنطقة.
ومن جهته أكد المهندس ثامر راشد القاسمي، المدير التنفيذي لقطاع المشاريع الخاصة والشراكات في هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، أهمية الدور الفاعل والإيجابي للوالدين في تنشئة وتنمية قدرات ومهارات أطفالهما، وضرورة تعزيز التواصل والحوار مع الطفل وخاصة في السنوات الأولى من عمره، وبناء علاقة قائمة على الثقة والتقدير لفهم وتلبية احتياجاته العاطفية والعقلية وتنمية مهاراته الاجتماعية وبناء شخصيته، لافتاً إلى أن حملة "استمع أولاً"، ستساهم في رفع مستوى الوعي المجتمعي بأهمية الاستماع للطفل واحترام حقه في التعبير والمشاركة، وزيادة فهم الوالدين على وجه الخصوص لتأثير التواصل الإيجابي مع أطفالهما على تحسين سلوكياتهم الإيجابية والحد من فرص انخراطهم في السلوكيات السلبية مستقبلاً، وتعزيز تطورهم اللغوي والإدراكي والاجتماعي العاطفي فضلاً عن النمو البدني، لضمان نموهم وازدهارهم في بيئة محفزة وداعمة لهم .
وأشار القاسمي إلى أن الهيئة تعمل بالتعاون مع شركائها على تطوير مبادرات وبرامج نوعية متكاملة لتمكين وبناء قدرات وخبرات الوالدين ومقدمي الرعاية في مجال الطفولة المبكرة، وخلق بيئة إيجابية للأطفال، لافتاً إلى أن الهيئة بصدد إطلاق حزمة من البرامج الإنمائية من بينهما برنامج مدارس آمنة لتوحيد وتوجيه جميع الجهود بين مختلف الجهات لضمان اتباع نهج موحد وثابت لحماية الأطفال في مدارس أبوظبي، وبرنامج الرعاية الوالدية الإيجابية، لتطوير محتوى علمي موحد وشامل بهدف التعريف بشكل أكبر بدور الوالدين تجاه أطفالهما، ومبادئ الرعاية الوالدية الإيجابية، وتشجيع التواصل الإيجابي ومهارات حلّ الخلافات بينهما، إلى جانب تحقيق استجابة أعلى لاحتياجات الطفل، وترسيخ دور مختلف القطاعات الخدمية في توعية الوالدين، وصولاً إلى مستوى محسّن من السلامة والكفاءة النفسية الاجتماعية لدى الطفل، موضحاً أن هذه البرامج ستدعم عملية إعداد البحوث والدراسات المتخصصة في مجال الطفولة المبكرة من خلال قياس وتقييم أثرها على الطفل والمجتمع.
من جانبه صرح، عبدالرحمن السيد البلوشي، مدير دائرة التخطيط الاستراتيجي والتطوير المؤسسي في مؤسسة التنمية الأسرية، إن إطلاق دائرة تنمية المجتمع للحملة يأتي في وقت مهم جداً يحتاج فيه الأبناء بالفعل إلى الاحتواء، كما يحتاج الوالدين إلى التذكير بأهمية اقترابهم من أبنائهم وتخصيص الأوقات الكافية لهم للاستماع إليهم، واحتوائهم وزرع الثقة في نفوسهم.
وأضاف البلوشي: نحن نعيش في مجتمع متناغم ومتجانس والأسرة فيه لعبت دوراً كبيراً في تنشئة الأبناء في الماضي قبل أن يشاركها الآخرون في ذلك، كالعاملات في المنزل والأصدقاء الافتراضيون ووسائل الإعلام والتواصل الجديدة، وكان الحوار الأسري يشكّل أهمية كبرى وهو أحد مقومات التفاهم والحماية وفهم الأبناء واحتياجاتهم، ومع التطور السريع الذي شهده العالم بدأت ملامح التغيير تضرب في جذور المجتمعات، وبات من المهم أن تلتفت الأسرة إلى دورها في حماية بنيانها الداخلي، ولنا في قادتنا الكرام أسوة حسنة منذ عهد الشيخ زايد بن سلطان-طيّب الله ثراه- الذي كان منهجه في الحوار مع الشعب بمختلف فئاته العمرية أحد ركائز بناء دولة الاتحاد.
وأوضح البلوشي، أن لدينا قدوة كريمة في كيفية تربية الأبناء والإصغاء إليهم وتكوين شخصياتهم وهي "أم الإمارات" سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، حفظها الله، والتي كثيراً ما تدعو الأسرة في كلماتها السامية إلى الاهتمام بتربية الأبناء، والحرص عليهم، وتؤكد في توجيهاتها على أهمية احتواء الأبناء وحمايتهم من تحديات وقتنا الحالي، وما يفرضه التطور التقني من تحول في المسار الاجتماعي، ولا بد من التعامل معه بوعيٍ وفهمٍ وصبرٍ وحكمة بعيداً عن العنف والتنمر والضغط على الأبناء بطريقة خاطئة في سبيل التربية السليمة.